الاتّجاه السّائد في صناعة السّينما هو أنّ شخصيّة الإرهابيّ أو الرّجل الشّرقيّ (العربيّ) تكون دائما متعارضة مع شخصيّة العميل السّرّيّ الّذي عادة ما يتقمّصها أشهر الممثّلين. وقد باتت هذه الصّورة فكرة نمطيّة متكرّرة منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر: للعدوّ الآن وجه جديد لم يعد يمتّ بصلة لصورة السّوفياتيّ بما أنّ الحرب الباردة قد انتهت. ودائما ما يكون تمثيل أدوار الجوسسة وأفلام الحركة (الأكشن) مرتبطا بتخيّل مواقع سياحيّة أو مجمّع عسكريّ يبدو وكأنّه فندق استجمام.
ومن المفارقة أنّه في وسائل الإعلام نادرا ما تتعلّق الأسئلة السّياسيّة حول السّلطة في البلدان العربيّة بمسألة الجوسسة بالرّغم من كثرة المعلومات السّرّيّة. فقد أفرزت ثقافة السّرّيّة هذه «ويكيليكس» و«ميديابارت» والانجذاب نحو الأجندات السّرّيّة. وينبع هذا الانجذاب من أنّ عالمنا اليوم هو في إعادة تقييم مستمرّ للسّلطة والصّور المرتبطة بها وذلك لأنّ التّراتبيّة التّقليديّة قد ألغيت تماما.
نتيجة ذلك هو أنّ مقطع فيديو على«يوتوب» لقطّ يعزف على البيانو يمكن أن يصبح أكثر الصّور في العالم مشاهدة. ولنفس الأسباب فإنّ المعدّات الأساسيّة للتّجسّس أصبحت متاحة فيمكننا بسهولة اقتناء الأشياء الّتي نراها في الأفلام: آلات تصوير حراريّة, رقاقات تتبّع الخ...
وانطلاقا من هذه الإشكاليّة فإنّ الفيديو الّذي أنا بصدد تحضيره سيراوح بين الوثائقيّ والسينمائي. في البدء سأعمل مع ممثّلين يتقمّصون شخصيّة سوّاح أمريكيّين في الجزائر وسأطلب منهم اتباع خطّ سير معيّن حول المدينة. ثمّ سأطلب من مجموعة تتكوّن من ثلاثة شبّان جزائريّين أن يجهّزوا أنفسهم بمعدّات تجسّس (آلات تصوير في زرّ القميص, جهاز تسجيل) وأن يتجسّسوا على السوّاح الأمريكيّين.
سيتضمّن الفيلم على مقاطع من تحاليل ونقاشات بين الممثّلين الجواسيس. وستهتمّ هذه النّقاشات طبعا بالجيوبوليتيكا وبالمواقع الّتي يقومون بزيارتها. وسيكون من المهمّ أن أطلب من الممثّلين الذين يتقمّصون شخصيّات الجواسيس أن يوظّفوا تحاليلهم هذه لتبرير أعمال الجوسسة الّتي يقومون بها.
وسيحتوي الفيلم على مقاطع أكشن مستوحاة من التّقنيّات السينماتوغرافيّة المعتمدة في أفلام هوليود. والأكيد أنّ هذه السّبل لن تكون كلّها ناجحة ذلك أنّ الممثّلين الجواسيس سيفشلون عديد المرّات ممّا سينتج عنه نقاشات أخرى.
ويتمثّل الهدف الأساسيّ لمشروع الفيلم هذا النّظر بعمق في الانفصامات الاجتماعيّة والسّياسيّة الرّاهنة وزعزعة القوالب التّقليديّة الجاهزة المتعلّقة بالجوسسة بحيث لن يكون الشّخص الملاحق عربيّا بالضّرورة.
سيرة الفنان
ولد نيل بلوفة في العام 1985 وهو الان يعيش ويعمل في باريس. كان قد زاول دراسته في المعهد الوطني الأعلى للفنون الجميلة وفي المعهد الوطني الأعلى لفنون الدّيكور في باريس وكذلك في معهد كوبر الاتّحادي بنيويورك.
وتستخدم تجاربه الفنّيّة وسائط متنوّعة على غرار الفيديو والنّحت والأشياء المستصلحة والصّور المكتشفة الّتي تتفاعل كلّها لتشكيل تركيبات متقنة.
وقد تمّ عرض أعمال بلوفة بمعرض Balice Hertling بباريس وبمعرض Kunsthauds Glarus وبمتحف New Museum بنيويورك ومعرض Galleria Zero في ميلان وبمعرض قصر طوكيو ويمتحف لوس أنجلس وفي عدّة فضاءات دوليّة أخرى.