في أول معرض ي ُقام له في مؤسسة تونسية، اختار ثامر الماجري استكشاف طبيعة وكنه السلطة في سياق ديمقراطي. ولعله باختياره عنوان States of Exception'، وهي عبارة باللغة الانقليز ية تعني 'حالات طوارئ'، أو حتى"حالات الاستثناء"، يستعيرُ من الفيلسوف جورجيو أغامبين، تفكيره على نطاق أوسع في طبيعة السلطة وممارستها في الفضاء الديمقراطي، ويطر ُح تساؤلات حول أشكال الحكم. وتمثل 'حالة الطوارئ' حيزا زمنيا ومكانيا استثنائيا ومؤقتا، يتم خلاله تعليق العملية الديمقراطية والحقوق الفردية والجماعية، وهي بمثابة "أرض فاصلة بين القانون العام والفعل السياسي، بين النظام القانوني والحياة". وإذا كان هذا الحيز غير محدد بوضوح ضمن القانون والحقوق وخارجها، فإن الديمقراطية – وتلك لعمري مفارقة - تنسحب من أجل خلاصها، مما يمثل خطرًا كثيرا ما تجلى في بعض الانحرافات الاستبدادية والديكتاتورية للسلط الحاكمة التي تلجأ الى 'حالة طوارئ'. وينسحب هذا الغموض القانوني أيضا على مفهوم 'الحق' في التمرد على السلطة القائمة.
يعيش ثامر الماجري )1982 *( ويعمل في نابل، وي ُدر ّس الرسم في مدرسة الفنون الجميلة بتونس. وي ُعتبر معرض 'حالات إستثنائية' الذي يشتمل على عدد من الأعمال المُنتجة حديثا علاوة عن تنصيبة تتمثل في ثلاث لوحات قماشية كبيرة الحجم أنتجها ثامر بالمحطة الفنية 'B7L9'، بمثابة غوص غير مسبوق في عالم الرسام ثامر الماجري. ومن خلال الجمع بين الرسم بالفرشاة والرسم التخطيطي والتنصيبة، يسعى ثامر الماجري الى تفكيك مفهوم 'المعرض الفني' ذاته، عن طريق طرح تساؤلات حول دور الفنان في المجتمع ومحاولة "الترويج لأشكال جديدة من الذاتية" كما ينصح بذلك الفيلسوف والمفكر ميشيل فوكو، وذلك من أجل "تخليصنا من هذا' القيد السياسي المزدوج' المتمثل في ذلك المنحى الذي يميز هياكل السلطة الحديثة والقائم على التركيز بشكل متزامن على الفرد وعلى المجموعة. "
ويهتم مسار المعرض بممارسة الرسم باعتباره 'إنتاجا'و'شيئا' و'وظيفة' ويتفرع الى ثلاثة أقسام متمايزة ولكنها منفتحة على بعضها البعض .ويلج الزائر أولا ًإلى حي ّز مفكك، يتضمن ثلاثة أعمال من الحجم الكبير تم إنتاجها على عين المكان بالمحطة الفنية 'B7L9'، وهي عبارة عن رسومات بالأكر يليك والفحم على قماش أشرعة ِ سفن. ففي سياق بحوثه الفنية، سعى ثامر الماجري لاستكشاف أشكال ومواد غير مألوفة ، فقام في غضون الأشهر القليلة الماضية، بتجاوز حيز لوحة القماش المشدودة على اطار خشبي. وقد أتاحت له هذه اللوحات ذات المقاسات الكبيرة قياس حركة يده الراسمة ومفرداته الفنية بأبعاد العمارة والذهاب إلى أبعد من ذلك باعتماد قوانين التنصيبة. ويعرض القسم الثاني من المعرض لوحات معلقة بطريقة كلاسيكية، تستعيد مفهوم 'المكعب الأبيض')أي حيز عرض فسيح يتخذ شكل فضاء أبيض الجدران خال من النوافذ( ويختبر تأثير التطلعات السياسية لفن الرسم التي غالبًا ما تختزل الرسومات في بعدها الزُخرفي والتجاري. ويسمح تعليق الأعمال على ارتفاع منخفض للمشاهدين بالانغماس والغوص في التوتر القائم بين التراكيب مع الاستمتاع بممارسة فنية تستند الى جدلية البحث عن توازن بين قوة اللون ودقة الرسم. وقد أردنا للفضاء الثالث للمعرض أن يكون بمثابة 'قلب الإعصار' وإعادة بناء - مجاز ي ّة - لأستوديو الفنان. ومن خلال الولوج إلى هذا الحيز المخصص للبحث والاستكشاف والاختبار، ّ حيث تتقاطع التأثيرات والأفكار، يمكن للمشاهد الغوص في عملية التفكير التي خاضها الفنان وفي تشكل حركة يده الر ّاسمة. وتلعب الرسومات التخطيطية ومقاطع الفيديو وحركة اليد الر ّاسمة دور العناصر التي ترتكز عليها عملية التفكير التي تمت تعريتها والكشف عنها. ويرك ّز معرض 'حالات استثناء' على الر ّسم ، الذي ي ُعد وسيطا فنيا تار يخيا وأساسيا في تار يخ الفن، لا سيما في تونس. وهو يشكل، في الآن نفسه، حيزا مُرك ّبا ومتعدد الأشكال للتعبيرات والأفعال ينخرط فيه الزوار جسدي ًا وذهنيا، بهدف تفكيك طبيعة العنف والمقاومة، ضمن حدود القانون وخارجها. وتستند أعمال الماجري على التقليد التصويري للعاطفة، وذلك من خلال اللجوء إلى المساحات اللونية المتسعة. وعلى خلفية هذه الأشكال الملونة تبرز أشياء عادية، أشياء يومية، مزعجة في بعض الأحيان، يقوم بينها توتر يتجلى من خلال تراكيب معقدة ومكثفة. وتشكل هذه 'الأشياء' مجتمعة أحجيات أو ألغاز مصورة و أكوانا يتعين على كل متفرج السعي إلى فك شفرتها وألغازها حتى ي ُدرك معانيها وخباياها. وهكذا تتحول جملة شظايا الأجساد المتوترة والأشياء العادية، التي تكتسي أحيانا صبغة تهديدية، والكاميرات ورموز السلطة والإفراط في الاستهلاك، إلى أسلحة يمكن استخدامها وتوظيفها للتنديد أو الهجوم أو الدفاع. ومن خلال هذه العناصر وهذه الرموز التي تم الجمع بينها في شكل استعارات وإشارات نابعة من اللاوعي، يسعى الفنان ثامر الماجري إلى توصيف بعض التوترات التي هي بمثابة الأعراض المرضية للمجتمعات المعاصرة، حيث تتورط السلطة، مستعينة بما لديها من قدرة على التسلط والقهر، بفرض حالة طوارئ فعلية يعيش فيها الفرد في حالة خضوع دائم. وتخلق الأزمات السياسية والصحية في جميع أنحاء العالم ، ظروفا استثنائية ي ُجابها بعض السياسيين بإعلان "حالات طوارئ"، وهي آلية قانونية تتيح على وجه الخصوص تعليق الحر يات الفردية. ولنا أمثلة ملموسة على ذلك فيما يجري حاليا على نطاق عالمي، في ظل الجائحة التي تجابهها الحكومات باتخاذ جملة من التدابير تشمل فرض حظر التجول والحجر الصحي وتعزيز الحدود وتقييد حرية التنقل وفرض قيود على الحر يات، بحكم الأمر الواقع إن لم يكن بحكم القانون. إن هذه 'الديمقراطية بدون ديمقراطية' يمكن أن مآلات غير محمودة، يتم فيها تقليص الفضاء الجماعي تدريجياًويصبح فيها القانون صعب المنال على المواطنين. فما الذي يميز العلاقة بين العنف والقانون؟ وهل يمكن للفن الإدعاءبكونهفعًلاسياسيّا؟وماهوالدورالذييمكنللفنانأنيلعبهفيعمليةالدفاععن الديمقراطية؟ كّلهذهالأسئلةالتاريخيةتنخرطجيدافيسياقالأحداثالجاريةحاليافيتونس،كماهوالحالفي معظم البلدان حول العالم، دون أن نستثني من ذلك تلك البلدان التي نتصورها، خطأ، ديمقراطيات متينة. إن التفكير النقدي حول طبيعة السلطة وأشكال الحكم، الذي يقوم به ثامر الماجري، من خلال هذا المعرض، يبدو أكثر من أي وقت مضى في محله، حتى ندرك كيف يمكن - ويتعين - على كل واحد منا أن يتحمل مسؤوليته ويؤدي دوره، من خلال الوعي والمعلومة والتعليم، في الحفاظ على الحريات الفردية والجماعية.
قيم المعرض : ماتيو لوليافر