ينظم المعهد الفرنسي (FIAF) التظاهرة الخامسة من سلسلة التظاهرات التي يرعاها بعنوان عالم الترحال في شهر أيار/ مايو من العام 2013. عالم الترحال هو مهرجان يعرف بمختلف أنواع الفنون الفرانكوفونية في نيويورك، من خلال عدد كبير من العروض في مجال الفنون البصرية والموسيقى وفنون الأداء. الدورات السابقة للمهرجان تمحورت حول: أفريقيا، 2008، هايتي، 2009، لبنان، 2010، والمغرب 2011، وفي العام 2013 يركز مهرجان الترحال الدولي على تونس محاولا الإضاءة على المشهد الثقافي في هذا البلد في الفترة التي تلت ثورة 2011. يتضمن برنامج المهرجان عروضا فنية وأفلاما وشهادات لنساء تونسيات رائدات حول دور المرأة في تونس ما بعد الثورة، في المجالات الاجتماعية والسياسية والفنية. معلوم أن محاولة الإحاطة بثقافة ما غالبا ما يشوبها الاختزال، لكن الأمر لم يكن على هذا النحو هذا العام مع مهرجان عالم الترحال التونسي. في هذا الحديث مع ماري مونيك ستيكيل، رئيسة الـ (FIAF) أشارت ستيكيل إلى نشوء حوارات لم تكن ممكنة من قبل. في هذا النقاش، تشدد ستيكيل على أن مهرجان عالم الترحال لا يعمل وفق أجندة سياسية. على العكس، فإن غرضه أن يفتح نيويورك أمام تونس: مناسبة لدعم أعمال الفنانين التونسيين وتكريمهم، وعلى الأخص أولئك الذين برزت أصواتهم بعد الثورة.
فوز كبرة: أود البدء في حديثنا حول عملك. تصفين عملك بأنه أشبه بجسر، وفي ما يخص مهرجان عالم الترحال، يمكن وصف دورك بأنه تشييد جسر بين فرنسا والولايات المتحدة. هل يمكنك أن تشرحي لنا موقعك ودورك في المعهد الفرنسي (FIAF) ودورك كمنظمة لمهرجان عالم الترحال؟
ماري مونيك ستيكيل: بالنسبة لي المعهد الفرنسي (FIAF) هو مؤسسة تهتم بمجمل الثقافة الفرنسية وليس بثقافة فرنسا فحسب. نتعاون مع مجموعة واسعة من المؤسسات، تهتم بشؤون ثقافية متنوعة، وقمنا بإنشاء وتقديم برنامج في نيويورك لا يتعلق بالثقافة الفرنسية فقط. وعلى سبيل المثال، فإننا نتعاون مع شركاء ثقافيين ومؤسسات مثل مركز بارشنكوف للفنون ومتحف ويتني للفن الأميركي، من بين مؤسسات أخرى.
نجهد في أن لا يكون المعهد معهدا معزولا. على العكس، نتوق إلى افتتاح فروع خارجية لنا، بما يسمح لنا ببناء علاقات مع شركاء جدد والعمل معهم. وهذا ينسحب بالصحة نفسها على مقتربنا بالنسبة لمهرجان الترحال العالمي. لخمس سنوات خلت، قررنا أنه من المفيد أن نقدم ونحتفل بثقافات متنوعة من بلدان متعددة حول العالم. ووددنا أن ننقل عينات من هذه الثقافات إلى نيويورك، ولم يغب عن بالنا، نشر عينات من هذه الثقافات على امتداد نيويورك نفسها. لم نكن نريد أن نقيم المعرض في قاعة عرض المركز (FIAF) فقط، لذا دعونا عددا من المؤسسات الثقافية إلى مشاركتنا في رعاية الحدث.
على سبيل المثال، نعمل مع (The Invisible Dog Art Center) في بروكلن على مشروع إنشاء حيز يتعاون فيه عدد من الفنانين لهم مطلق الحرية في التعبير الإبداعي في أي مسألة يريدون معالجتها، كذلك نتعاون مع غاليري (WHITE BOX) في مانهاتن، وهي مؤسسة مستقلة غير ربحية، على إطلاق مبادرة غير تقليدية تتعلق بإقامة المعارض وبرمجتها. كذلك كانت لنا تجربة مثيرة في التعاون مع (5Pointz Aerosol Art Center) حيث أقمنا مساحة للعرض في الهواء الطلق ودعونا إليه فناني غرافيتي من حول العالم لعرض أعمالهم في مصنع قديم في كوينز. وقد دعونا كتابا وفنانين للمشاركة في هذه التظاهرة أيضا.
تعود جذور فكرة عالم الترحال إلى رغبة في تقديم الثقافة الفرنسية (في نيويورك). وعلى مر السنوات، نظمنا مهرجانات في عدد من البلدان الفرانكوفونية، مثل هايتي والمغرب ولبنان وغرب أفريقيا وفي أيار/ مايو الماضي في تونس.
ف. ك: هل يمكنك شرح الفكرة التي ألهمتكم إلى العنوان «عالم الترحال»؟
م.م.س: السبب الذي حدانا إلى اختيار هذا العنوان يتعلق بكوننا لا ندعو الفنانين للمجيء من بلدانهم إلى نيويورك فحسب، لكننا أيضا نتطلع إلى مخاطبة المهاجرين في الدياسبورا والجاليات. والحال، لا نبحث فقط عن الفنانين الذين يعيشون في البلاد التي يأتون منها، إنما أيضا نبحث عن أولئك الذين هاجروا، ويعيشون في المنافي، أو الذين ينتقلون باستمرار من بلد إلى آخر. على سبيل المثال، عملنا في العام 2010 مع وجدي معوض ضمن إطار «عالم الترحال»، في لبنان، الذي كانت له تجربة أداء مع الممثلة والمغنية جين بيركين. معوض هو واحد من المخرجين المسرحيين المهمين وهو أيضا كاتب يعيش أحيانا في مونتريال وأحيانا في أماكن أخرى. إنه رحالة حقيقي، بمعنى ما.
ف. ك: إذا ربما يكون في وسعك التفصيل أكثر. في أي موقع تضعين «عالم الترحال التونسي» ضمن إطار عالم اليوم وثقافتنا المعولمة والتشاركية؟
م.م.س: حين تحدثت عن الدياسبورا، كنت أحاول الإضاءة على كيفية عيش الموطن الأصلي في الذاكرة. يعيش الفنانون في بلادهم، في المنافي، أو ببساطة خارج بلادهم، ويبدأون بالعمل والتشكل وهم يحملون ذكريات مواطنهم التي تحدروا منها. وهذا صحيح بالدرجة نفسها سواء تكلمنا عن لبنان، أو تونس، أو المغرب. إنه التفاعل - التبادل-بين الموطن المتذكر والموطن الذي يعيش الفنان فيه. على سبيل المثال، هذا الأمر واضح ولا يخفى على أحد في أعمال (Jonah Bokaer). والذي ولد لأب تونسي في الولايات المتحدة، وعاش حياته فيها. وفي عالم الترحال التونسي، قدم تصميما راقصا رائعا بعنوان «أعراض الأوديسة» 2013. إنه عمل يستجوب ثنائية تشكله الثقافي وهويته وقضايا الهجرة والنزوح والمعاناة الشخصية. عمله الراقص يتصور تونس، ذاكرة مكان وأصواته. هذا مثال رائع على فنان يختبر العيش على تقاطع ذكريات ومناف.
ف.ك: عالم الترحال التونسي هو المهرجان الخامس الذي ينظمه (FIAF) ضمن سلسلة عالم الترحال، وقد تزامن مع مرور سنتين على الثورة التونسية. هل لك أن تشرحي لنا المؤثرات التي دفعتكم لاختيار تونس، ومعنى هذا الاختيار؟
م. م. س: يمكن القول إن تونس شهدت فورة إبداعية حول الثورة وفي أثنائها وفي ما تلاها، مدفوعة بالرغبة في نيل الحرية وتحقيق الديموقراطية، في محاولة لإعطاء هاتين القيمتين صورة وصوتا. بعض أعمال الفنانين الشباب والناشئين حاولت تقديم مانيفستو للثورة. على سبيل المثال، المغني وكاتب الأغاني الشاب أمل مثلوثي، والذي شكل بحق صوت الثورة، وهو الذي أعطى الربيع العربي صوتا، يقدم أغاني من أخر البوماته (كلمتي حرة).
في عالم الترحال التونسي نقدم مجموعة من الفنانين الشباب الرائعين، والذين لم يتسن لهم أبدا عرض أعمالهم. ونعرض أعمال هؤلاء في قاعة العرض الخاصة بنا وفي قاعة عرض (WHITE BOX). بالنسبة لي، أمضيت وقتا رائعا في ملاحظة المشهد الفني التونسي، بسبب حماسة هؤلاء الفنانين الشباب تجاه وطنهم وثقافته. وهذا الأمر قد يكون الجسر الذي يسمح لهم ببناء بلاتفورم فني لكل منهم ويتيح لهم أن يعبروا حدود المحلية نحو العالم الأوسع.
ف.ك: كيف كان ذلك؟
م.م.س: ما أنتجه الفنانون كان عميق الأثر بالنسبة لي. ومراقبتي لهم وهم يفتحون أبوابا مشرعة للتعبير عن أنفسهم كان معبرا وموحيا أيضا. خصوصا لجهة كون هذا الضرب من التعبير كان مقموعا قبل الثورة.
ف.ك: هل هناك قضايا محددة يمكن الإضاءة عليها في هذا المجال؟
م.م.س: النساء هم من يدافعن عن حقوق النساء. وفي تونس كن قد حصلن على قدر من الحقوق، تبدو اليوم مهددة بالضياع من قبل الإسلاميين. عمل أمل مثلوثي معبر حقا. وكذلك فإن عمل بوقاير الذي يحمل عنوان «أعراض الأوديسه» يبدو لي رائعا حقا.
«دور النساء في المجتمع التونسي» كان عنوان ندوة قدمتها عدد من النساء الرائدات في مجالات الثقافة والفنون والحركات الاجتماعية في ما بعد الثورة. عملنا مع ناشطة شابة قاطعة البلاغة تدعى آمنة جليلي، وهي مديرة فرع منظمة مراقبة حقوق الإنسان في تونس. وقد أطلعتنا على عدد من القضايا المهمة التي عاينتها مباشرة وراقبت حدوثها، خصوصا لجهة تعارض قوانين الشريعة مع حقوق النساء.
ف.ك: هل بدلت هذه التجربة في معارفك؟ هل أضافت إلى تجربتك، أو ما كنت تعرفينه قبلا عن ثقافة تلك المنطقة وتطوراتها السياسية؟
م.م.س: مثلي مثل كل أهل نيويورك، لم أكن أتوقع أن تنطلق كل هذه الحركة الإبداعية في تونس من خلال الثورة. أصلا لا نملك الفرصة لمعاينة هذا الأمر من هنا. ذهبت إلى تونس في حزيران/ يونيو 2012، ووجدت نفسي مبهورة بالتدفق في الإبداع وفي التعبير الفني الذي كان في طور اختماره يومذاك.
مثلما تعلمين، كان رسم الغرافيتي على الجدران في تونس ممنوعا. وبعد الثورة، نبت فجأة عدد كبير من فناني الغرافيتي. كان ثمة توتر ووجهات نظر متضاربة تنشأ هناك. على أي حال، وعلى سبيل المثال، اضطر الرسام محمد بن سلامة أن ينجو بجلده هربا من الموت. وجهة نظره بالنسبة لمستقبل تونس بدت قاتمة. إحدى لوحاته حملت عنوان «ربيع الفنون»، عرضت في قصر العبدلية في تونس. تم تمزيقها وإحراقها من قبل الإسلاميين، لأنهم رأوا فيها إهانة للخالق. والحال هرب بن سلامة إلى فرنسا بحقيبة سفر واحدة. فكرة الحقيبة الواحدة طافحة بالمعاني. إنها نوع من الرمز استخدمته الفنانة باتريسيا تريكي، حيث صورت امرأة شابة تحمل حقيبة واحدة في عدة مواضع: في غرفة، على الشاطئ. ليلى سويسي التي نظمت معرض «ما بعد الثورة» الذي عرض في (WHITE BOX) وفي غاليري (FIAF)، تقول إن تونس تبحر في سفينة وليس ثمة من يقودها حقا، ولا أحد يعرف أين سيكون مرساها.
ف. ك: هذا هو الجو العام في معظم الشرق الأوسط اليوم.
م.م.س: لا شيء واضحا بعد. لدينا عدة أفلام تستحق الانتباه، صنعت برعاية دورة بوشوشة، والتي هي منتجة بارزة أيضا. تتحدث عن كم كان صعبا أن تفعل شيئا في تونس من قبل، ورغم أنه ليس من الواضح أن فعل الأشياء بات أسهل اليوم. إلا أنها تملك الرغبة في فعل الكثير، في مسعى منها للتغيير.
ف.ك: كنت تقولين إنك نيويوركية، ولم تكوني على اطلاع واسع على أعمال الفنانين الشباب في تونس، أو حتى على المشهد الثقافي بشكل عام.
م.م.س: عالم الترحال التونسي فتح نافذة للتلصص على ما جرى وما يجري.
ف.ك: وكيف جرى استقباله؟
م.م.س: حصلنا على استقبال رائع. أحد النقاد قال لي إنه أفضل برنامج عرفه على الإطلاق. التعليقات على العروض ركزت على الموسيقى التقليدية التونسية، والتي شكلت فعليا أفضل طريق لتعميم المعرفة حول الفنون والمشهد الثقافي في تونس بشكل عام، بعد مرور عامين فقط على الثورة. عبر هذه الموسيقى استطعنا أن ننشئ مفردات جديدة للتفاهم وللحديث حول تونس، من باب الفنون وليس من باب السياسة بوجه خاص. الجمهور الذي تابع البرنامج وزار الغاليريات لحضور العروض والأفلام كان كبيرا فعلا.
ف.ك: هذا صحيح. لقد قرأت بعض المراجعات في نيويورك تايمز، وكان مؤثرا بالنسبة لي أن ألاحظ كيف أن كتاب هذه المقالات لم يكتفوا بالوصف العام، بل بذلوا جهدا لتعريف مصطلحات وتواريخ وتقاليد تونسية وإيضاحها. وينتابني الفضول أيضا لمعرفة ما الذي تفكرين به حيال هذا الأمر على المديين القصير والبعيد. هل تعتقدين أن ثمة إضافة تحققت على مستوى علاقتك التي قمت ببنائها مع تونس، ومع الفنانين التونسيين والمراكز الثقافية التي شاركت في المهرجان؟
م.م.س: آمل حقا أن نستطيع الاستمرار في تلك العلاقة مع داعمينا. نحن من دون شك نتطلع لعمل المزيد في ما يتعلق بمنطقة الشرق الأوسط. لقد أنشأنا علاقات مع تونسيين يعيشون في نيويورك لم يكن ممكنا لنا أن نتعرف بهم من دون حدوث هذا الحدث. لدينا جالية من أصدقاء «عالم الترحال» تضم نحو 70 شخصا. السفارة التونسية ساعدتنا على قدر استطاعتها. وعبروا عن إعجابهم بما نقوم به في الـ (FIAF)، لكنهم أيضا عبروا لنا عن شعورهم بأنهم ربما سيواجهون متاعب جمة. الأوضاع هناك بالغة التعقيد، الوزراء أنفسهم لا يعرفون إن كانوا سيستمرون في مناصبهم حتى الغد.
ف.ك: هل تعتقدين أن إطلاق حوار بين منطقة المغرب والشرق الأوسط من جهة وبين العالم الغربي من جهة ثانية بات ملحا أكثر من أي وقت مضى؟ على ما أرى، الدبلوماسية ذات فاعلية كبيرة هنا، لتستطيعي «فتح نافذة»، بحسب تعبيرك، على المشهدين الفني والثقافي التونسيين. تقولين إن وزراء الثقافة هناك لا يعرفون إن كانوا سيبقون في مناصبهم حتى اليوم التالي، وأنا أوافق معك على التوصيف، وأضيف أنه يبدو لي أن هذه هي الحال في كثير من البلاد التي تشهد مراحل انتقالية، كما يحدث اليوم في الشرق الأوسط، ومثلما حدث ويحدث في أوروبا الشرقية. سؤالي: ما هي الوسائل التي نستطيع اعتمادها لإعادة تخيل التعاون على مستوى شامل، خصوصا حين لا تعود الأطر المؤسساتية قادرة على التجاوب؟ كيف نستطيع التعاون «رسميا» من أجل إحداث تأثير ذو معنى، إذا كانت الوزارات عاجزة عن مد يد العون؟
م. م. س: التعاون مع تونس اليوم بالغ الصعوبة بالنسبة للمؤسسات. ليس ثمة أحد هناك يمكنه أن يتجاوب، وبالنسبة لنا هذا يعني أقل قدر ممكن من الرقابة والدعم في الوقت نفسه من قبل المؤسسات الرسمية التونسية. وهذا ما دفعني إلى البحث عن سبل للدعم من خلال أطر أخرى. لقد أنشأت صداقات رائعة هناك وأود أن أستمر بالعمل مع هؤلاء على مستوى شخصي.
أظن أن التسامح يتأتى من المعرفة نفسها، وهاتان العين والأذن المفتوحتان بالغتا الأهمية للتعامل مع ثقافة غنية كالثقافة المغربية أو التونسية. ولا أخفيك أنني سعيدة جدا لأن (FIAF) نجح في فتح عوالم وثقافات تلك المنطقة الغنية والحيوية أمام النيويوركيين.
ف.ك: تقولين إن التسامح يتأتى من المعرفة، وتاليا فإن عالم الترحال التونسي ابتغى فتح العيون والآذان على ثقافة تونس الغنية. ومن المهم جدا أن ندعم ونقدم أعمال الفنانين الناشئين، وأولئك الفنانين الذين يقلقون على مستقبل المشهد الثقافي في بلادهم، كما هي حال بن سلامة على سبيل المثال. شخصيا أقدر عاليا هذه الصداقات التي أينعت كنتيجة لعجز المؤسسة الرسمية التونسية عن المساعدة، كما كانت حال السفارة التونسية هنا في نيويورك. كيف ترين إمكان نمو ما ذكرته وازدهاره؟ وهل شكل هذا المهرجان محركا لحوارات متجددة؟
م. م. س: لسنا الوحيدين الذين يحاولون فتح حوار مع بلدان الشرق الأوسط. ولا يمكننا أيضا الادعاء بأننا الوحيدون الذين حلوا عبء هذا المشروع. إنما استطيع أن أضرب لك مثالا: السيد هو فنان غرافيتي موهوب جدا وكنا قد دعوناه إلى للمشاركة في هذا المهرجان وقدم عملا رائعا في نيويورك. الآن، ثمة باب فتح أمامه لعرض أعماله هنا، وعلى الأرجح سيعود لعرض أعماله هنا ضمن مشاريع مستقبلية. إذا كان ثمة مجال لمساعدته من قبل فروع مركزنا، ومساعدة آخرين مثله، أنا مستعدة لفتح هذا الباب له، أو لهم. والأمر نفسه ينطبق على بقية الفنانين، إن أرادوا تقديم عروض هنا في المستقبل، نحن مستعدون لتسويقها أو دعم بعضها على الأقل. هذه الخيوط الموصولة التي لدينا هي بمعنى ما شخصية، لكنها أيضا علاقات يجب أن نغذيها. إنها ليست صداقات فقط، ثمة تبادل ما يفرض نفسه في هذا المجال.
ف. ك: هل كان ثمة حضور تونسي في نيويورك قبل المهرجان؟
م. م. س: نكاد لا نستطيع أن نجد مطعما تونسيا هنا في نيويورك. تونس بلد صغير نسبيا، 12 مليون نفس فقط. إنما مجرد التفكير في كل هؤلاء الفنانين الذين قدموا من هناك هو أمر رائع. الأفكار والإبداع اللذان يأتيان من هذا البلد النابض ملهمة جدا. آمل أن مهرجاننا سينجح في تعميم معرفة ما بها لدى عدد متزايد من أهل نيويورك.
ف. ك: حين يعمل المرء في مجال التواصل مع ثقافات غنية ومتنوعة-وأحيانا تحتاج إلى تقديم خاص-وحين يكون المرء متورطا في مشاريع تهتم بإنشاء جسور من التفهم والتقدير، كيف يستطيع أن يدير هذه البرامج أو المشاريع بإيجابية وعين مفتوحة، وعين نقدية أيضا، من دون أن يلجأ إلى تبسيط وقائع التعقيدات المحلية؟
م. م. س: الفن على ما اعتقد أساسي في تكوين الأورا في كل بلد. إنه الامر الأكثر أهمية والأكثر قابلية للانتقال والتواصل. نعرف ذلك بالنسبة لفرنسا: أفضل منتجاتنا هي الأفكار والفنون. والأمر صحيح أيضا بالنسبة للفن التونسي، وإن لم نقدمه في نيويورك فإن نيويورك ستخسر فرصتها، وسيكون ذلك نقصا مؤسفا يتمثل في خسارة هذا الحضور الفني المهم لها. نحن سعداء لأننا استطعنا استقبال عدد كبير من التونسيين هنا في نيويورك خلال المهرجان. تمازج الفنون واللغات والموسيقى هو أمر مهم ومؤثر. ما يكتسبه الناس من هذا التمازج، والنتائج التي يخلقها هذا التبادل هي أمور بالغة الأهمية. لأنها تخلق نوعا من الانفتاح في وجهات النظر وتصنع نوعا من التحدي أمام الأفكار المسبقة كافة.
ف. ك: إذا انت تعتقدين أن الفنون تلعب دورا أساسيا في خلق محادثات مجدية وجدية، وتساهم في تثقيف الأفكار وإغنائها بين الجماعات والمجتمعات؟
م. م. س: لم نكن نريد محادثات سياسية. بذلنا جهدا هائلا لنتجنب الدخول في معمعة السياسة التونسية. بالمقابل حاولنا عرض المشهد الفني وتقديمه، والذي هو، من دون شك، مشحون بتعقيدات الوضع هناك والعوامل التاريخية، ومن شأنه أن يعطي فكرة وافية عن الأوضاع السياسية هناك. باعتماد هذا المقترب-الفنون-نجحنا في فتح نافذة لمراقبة تغيرات المشهد هناك، سياسيا وثقافيا في آن، وخصوصا خلال السنتين الماضيتين. كنا نريد أن نعرض ثروة هذه الثقافة، إبداعاتها الثقافية وتعقيداتها المثمرة.
ماري مونيك ستيكيل: لدى ماري مونيك ستيكيل سجل عملي حافل. بوصفها رئيسة (FIAF) منذ 2004، عملت على تطوير عمل المعهد وتوجيهه في اتجاهات جديدة. وكان أن قادت سابقا، وكالة التطوير الصناعي الفرنسي، التي باتت تسمى استثمار في فرنسا، نحو إنشاء فرع لها مواز في أميركا، تحت مسمى الاستثمارات الأميركية في فرنسا. ستيكيل أسست فرانس تليكوم في شمال أميركا، وعينت عام 1979 رئيسة للشركة. أيضا عملت مع إدارة الرئيس جاك شيراك وتسلمت منصب مديرة التواصل في حزبه السياسي، التجمع من أجل الجمهورية، في العام 1977.