دعت مؤسسة كمال الأزعر لعقد الملتقى الثاني لمغرب الفنون في ١٠ أيار/ مايو ٢٠١٣ في متحف باردو في تونس. محور النقاش كان مستقبل الفنون في المغرب المعاصر. الملتقى عالج أسئلة كانت قد طرحت في الملتقى الذي سبقه، خصوصا تلك المتعلقة بالأرشفة والأبحاث النظرية ذات الصلة بالفنون البصرية في المغرب. وقد أشرفت على تنظيم المؤتمر رشيدة تريكي، التي دعت منظرين ومختصين في مجالات الفنون من المغرب للمشاركة في هذا الحوار.
عدد من المختصين ومؤرخي الفنون والأركيولوجيين والنقاد والفنانين اجتمعوا للاستماع ومناقشة الأفكار مع المدعوين، وللمشاركة في المحاور الأربعة:
-
دعم الفنون في المغرب (ندوة)
-
بنية المتاحف ومؤسسات الدعم (ندوة)
-
سوق الفن. تونس مثالا (ندوة)
-
كيف نعيد تفعيل التراث برؤية معاصرة؟ (ندوة)
الندوات الأربع تضمنت معلومات واقتراحات ونقاشات. افتتح رئيس المؤسسة، كمال الأزعر الملتقى وألقى كلمة أشار فيها إلى الطفرة الفنية المثيرة للإعجاب في تونس التي نشهدها اليوم. كان متفائلا بإمكان تطوير الإبداع في ضروب الفنون كافة، بما فيها الفنون البصرية، والسينما والمسرح والموسيقى. وبحسب الأزعر ثمة روابط تاريخية – ما زالت قائمة وحية – بين بلدان المغرب وقواسم مشتركة تتصل أيضا بمجالي الثقافة والفنون. وحث على بذل الجهد من أجل تسهيل عمل العاملين في حقل الثقافة وتوفير الظروف الملائمة لهم، من قبيل إنشاء برامج تمويل لإنتاج الأعمال الفنية ولخلق مساحات للنقد البنّاء والأبحاث.
في الندوة الأولى تحدثت، ممثلة مؤسسة آكتيا من مصرف وفا التجاري، غيتا تريكي عن واقع الرعاية للأعمال الفنية والثقافية. تريكي هي رئيسة مؤسسة محور الفن والثقافة (POLE ART ET CULTURE)، التي تقتني مجموعة واسعة من الأعمال الفنية المعاصرة. في محاضرتها، عددت تريكي النشاطات التي ساهمت المؤسسة في إطلاقها. وهي نشاطات تتراوح بين شراء الأعمال الفنية المعاصرة والعمل على حفظها، وصولا إلى تنظيم المعارض، وتمويل مشاريع الفنانين الشباب. تملك المؤسسة في رصيدها حتى الآن نحو 286 مشروعا، كما أنها ساهمت في تأسيس ورعاية علاقات شراكة مع عدد من المؤسسات والمعاهد الثقافية. أوضحت تريكي في محاضرتها كيف يساهم نظام رعاية هذه المشاريع الفنية في التأثير إيجابا في المجتمعات من خلال رعاية الإنتاج الثقافي.
أسامة رفاعي، مدير صندوق الفن والثقافة والعربيين (AFAC)، الذي يهتم بالأثر الاجتماعي للفنون والثقافة، ويعمل من أجل التعريف بأهمية الرعاية التي تساهم في إنتاج الأعمال الفنية المعاصرة. قدم مداخلة أجرى من خلالها مقارنة بين الاتجاهات الكبرى عالميا في مجال رعاية الفنون، من الولايات المتحدة، التي لا يوجد فيها وزارة للثقافة، إلى النموذج الأوروبي، حيث تعتمد المؤسسات الفنية والثقافية على دعم الحكومات. وخلص إلى أن العالم العربي وبلاد المغرب يتأثران بالنموذجين على حد سواء، وهو ما قد يكون ذا أثر إيجابي على الإنتاج الفني والثقافي في المنطقة، من خلال الجمع بين الاحتكام لسوق الفن الناشئة وتلقي الدعم من مؤسسات الرعاية. رفاعي عرض المشاريع المختلفة التي أطلقتها مؤسسته (AFAC) لتشجيع الإنتاج الفني والثقافي من خلال شبكات التواصل الاجتماعية.
وفا قبسي، ناقدة فنية تونسية، شددت على أهمية منح الإقامة للفنانين والمنظمين في تطوير إنتاج الفنون المعاصرة على المستوى المحلي.
القسم الثاني من الملتقى ركز على بنية المتاحف وأثرها على عالم الفن. برناديت ديفرن المتخصصة في المتاحف والتواصل الثقافي تحدثت عن مركز بومبيدو في باريس. (مركز بومبيدو: تاريخ ثلاثين عاما). وشرحت في مداخلتها كيف قام المتحف بإتاحة تجربة افتراضية أمام الجمهور العريض.
عبد القادر دحماني، مدير منبر (VEDUTA) في بينالي ليون للفنون المعاصرة، تناول فكرة مفادها كيف يمكن للمتحف أن يتمدد على مساحة مدينة كاملة. وأوضح كيف تم إشراك المدينة برمتها في مشروع فني تفاعلي تحت إدارته، من خلال تشجيع مواطني المدينة كي يتحولوا فاعلين فنيين من خلال إقامة نشاطات خاصة بهم على جدران المتحف الخارجية. دحماني يرى أنه من الملائم أن يتم إبطال المفهوم التقليدي للمتاحف، للإفساح للمجال أمام سبل إبداع جديدة من خلال استيراد الفنون من المجتمع نفسه. وختم مداخلته بالتأكيد على أنه لا ينبغي انتظار إنشاء متحف وطني في تونس لتشجيع وتنمية مفهوم المتحف الثقافي.
هذه النشاطات مجتمعة أدت إلى تفاعل الجمهور نقديا، والفنانون منهم على وجه الخصوص، الذي أكدوا أن البلد يحتاج إلى إنشاء متحف للفن الحديث والمعاصر يقوم بتقديم أعمالهم إلى جمهور أعرض وشرعنتها في الوقت نفسه. وتأسيسا على ما طرح في هذه المناسبة أثيرت قضية الـ 12000 عمل فني الذين وضعت الحكومة يدها عليهم وحجبتهم عن الجمهور.
فريد زاهي، هو ناقد فني مغربي، ناقش قضية المتاحف الإشكالية في المغرب. منتقدا افتقاد الشفافية التي تطبع عمل متحف كازابلانكا، والفقر المدقع في مجال نشر وتوزيع المجلات والكتب الفنية، التي يرى أنها بالغة الأهمية في مجال التطوير الثقافي في المجتمع.
إثر حلقة نقاش حول ضرورة أن تصبح زيارة المتاحف في بلاد المغرب متاحة على نحو أوسع للجمهور العريض وأن تؤمن شروطا أفضل لعرض وتخزين الأعمال المقتناة، فضلا عن ضرورة تنمية الثقافة الفنية، أعطيت الكلمة لأصحاب الغاليريات ومعظمهم كن من النساء. من بين الغاليريات التي شاركت كان ثمة غاليري الكمان الأزرق، وغاليري غورجي، وغاليري سلمى فرياني، ومركز بشيرة للفنون، ومركز الفنون الحية في بلفدير.
لينا الأزعر التي نظمت هذا المنتدى الذي امتد ليومين، قادت المناقشة من خلال طرحها أسئلة على أصحاب الغاليريات تتعلق بطبيعة السوق الفنية في تونس وخصائصها وبمفهوم التجارب الثقافية بالنسبة لهم. وكان ثمة وعي مشترك حول الديناميكية التي تبديها الحركة الفنية الشابة في تونس، وضرورة أن تتاح لهم فرص العرض، على الرغم من محدودية السوق الفنية في تونس ومن كلفة الاشتراك المرتفعة في المعارض العالمية. صاحبة معرض غورجي التونسية عائشة غورجي أكدت أن امتلاك غاليري في ظل الشروط الراهنة هو أمر ممتع ومثير في الوقت نفسه، لكنه مهمة صعبة بسبب الافتقار إلى الإطار القانوني لتنظيم عمل المعارض وبسبب غياب حرية الحركة والتعبير بالنسبة للفنانين والغاليريات على حد سواء. وهذه الصعوبات هي صعوبات تتشارك فيها الغاليريات في المغرب والجزائر وتونس معا. شهدت هذه الحلقة مناقشات مستفيضة شارك فيها الفنانون الذين أعربوا عن أملهم في تحقق قدر من الشفافية في ما يتعلق بالاتفاقيات التي تربطهم بالغاليريات التي تعرض أعمالهم. كما كان ثمة إجماع على الحاجة إلى الدعم الحكومي خصوصا في مجال تشجيع الإبداعات والطاقات الشابة.
شهد اختتام المنتدى فقرة مشوقة تتعلق بكيفية إعادة إنتاج التراث المغربي فنيا، وتم اعتماد فن الموزاييك (الفسيفساء) نموذجا. مؤرخة العصور المغربية القديمة والأركيولوجية نصيرة بن صديق، أكدت عدم وجود اهتمام حكومي بحفظ تراث الجزائر الفريد. المؤرخ الفني والمتخصص بفنون الموزاييك الرومانية في أفريقيا طاهر غالية حدد باختصار بليغ الخطوط العامة لتاريخ فن الموازاييك في شمال أفريقيا. وشدد المؤرخ الفني حسين التليلي على الأهمية والغنى الثقافيين لفنون الموزاييك في أفريقيا الرومانية. وأخيرا، قدم فنان الموازاييك مهدي بنديتو مثالا حيا على نموذج من فنون الموزاييك المعاصرة، من خلال عرض أعمال موزاييك تحاكي لوحة «القبلة» لغوستاف كليمت.
١٠ أيار/ مايو ٢٠١٣
متحف باردو
تونس.