ما زالت دراسة الحفريّات الأثريّة لموقع «الفراغ» في إسطنبول مستمرّة في التّشكّل. وقد اتّسمت الفترة الممتدّة بين التّحديثين الأخيرين للمشروع بالتّقطّع، وتلتها محاولات عديدة للتّخطيط لهذه الحفريّات.
وأبرز هذه المناسبات كانت ورشة العمل الثّالثة في «النّوميناتيكس التّطبيقيّة» الّتي أقيمت في إسطنبول في أغسطس سنة 2014. و بهذه المناسبة التقى عدد من أعضاء هيئة «الجمعيّة الجماليّة للمعرفة المتسامية والتّطبيقيّة» (والّتي انضمّت الآن إلى «جمعيّة المنجزين الجماليّين») بمجموعة من الفنّانين المحلّيّين للعمل على مسألة الموروث الثّقافيّ وعلاقتها بمسألة الضّياع، وذلك من خلال التّركيز على "غير الممثّل".
و في الفترة الّتي رافقت بداية المشروع كنت أعرف جيّدا المكان المادّيّ لموقع «الفراغ» المدفون تحت الأرض. كنت متيقّنا أنّه بالإمكان التّنقيب عنه واكتشافه وتخصيص اسم له. كانت هناك ضرورة ملحّة للقيام بهذه المجهودات. ولكن تطلّبت الإجراءات تقديم طلب لوزارة الثّقافة والسّياحة التّركيّة للقيام بدراسة الموقع واستخراج ترخيص لإجراء الحفريّات، وكنت قد تجاوزت الموعد النّهائيّ بسبعة أشهر. من حسن الحظّ أنّه كانت هناك ثغرة قانونيّة: فقد كان بالإمكان تقديم طلب للحصول على ترخيص بالبحث عن الكنوز، وكانت الإجراءات حينئذ أكثر يسرا ولم تتطلّب أيّة دراية أو خبرة واسعة لمدير المشروع.
إذا كان موقع «الفراغ» سيبرز للوجود – وهو عبارة عن مدينة تضمّ العديد من الفجوات والتّصدّعات والطّموس الدّائمة والمؤقّتة – فإنّه من البديهيّ بالنّسبة إليّ أنّه سيخرج من رحم جزيرة، ومن الطّبيعيّ أنّه سيكون ثقيلا للغاية. و يمكنني التّنبّؤ أنّه حالما تنتهي الحفريّات فيه سيقع حمل هذا الفضاء الضّخم إلى اليابسة ليأخذ مكانه الطّبيعيّ في وعينا وذاكرتنا بشكل كبير.
و لكن ما وقع بعد ذلك كان شيئا غير متوقّع للغاية. في أغسطس من العام 2014 وقبيل وصول المشاركين في ورشات العمل اختفى «الفراغ». «هرب» ربّما هي العبارة الأفضل، لأنّه لم يكن في الحسبان أنّ له وجودا مادّيّا. مهما يكن، فقد توقّف مشروع الحفريّات وتبدّد الموقع من أمامنا. لذلك وخلال ورشة العمل الثّالثة تحت اسم «النّوميناتيكس التّطبيقيّة» تمّ اللّجوء إلى طريقة بديلة للنّفاذ إليه. وتتمثّل هذه الطّريقة في العودة إلى تقنية توجد في حزمة من الوثائق تمّ اكتشافها حديثا، وتعرف حاليّا باسم «ناشتيغال الملتفّ». وتمنحنا هذه التّقنية إمكانيّة القيام باختبار "الفراغ" بطريقة وقتيّة وجماعيّة.
واكتشفنا أنّ «الفراغ» ليس بالشّيء الثّابت. إذ أنّ موضعه مركزيّ دائما، ولكنّ هذا المركز ما ينفكّ يغيّر من مكانه.
حاولت أن أحرّر مطالب أخرى للحصول على تراخيص للبحث عن الكنوز، ولكنّني أدركت أنّه ربّما كانت المركزيّة الّتي أشرت إليها لا تتعلّق بالموقع المادّيّ فحسب، ولكنّها أيضا - وأحيانا بشكل متزامن - تتعلّق بالفضاء الذّهنيّ.
وللتّأقلم مع هذه المستجدّات الّتي طرأت على تقدّم عملنا والّتي لم تكن في الحسبان قمنا بتوسيع نطاق هذا العمل ليشمل المجال الأكاديميّ. وانطلقت من جديد دراسة الحفريّات الأثريّة لموقع "الفراغ" من خلال دمج مجالات الفضاء المادّيّ والتّمثيليّ. وقد تمّ توثيق العمليّة من خلال شريط للفيديو.
سيرة الفنان
ولدت سيبل هورادا في سنة 1980 وهي تعيش وتعمل في اسطنبول. تحصّلت على باكالوريوس في الفنون البصريّة من جامعة براون وعلى شهادة ماجيستير في الفنّ والتّصميم من الجامعة التّقنيّة في ييلديز. وقد قامت هورادا بعرض أعمالها مع مجموعة من الفنّانين على الصّعيد الدّوليّ أمّا عرضها الفرديّ الأوّل فكان في رواق «داير» في اسطنبول سنة 2012.