لفائدة مشاريع مؤسّسة كمال الأزعر أنوي نشر مجموع ملاحظاتي وأعمالي السّمعية البصريّة الّتي ستكون جزءا من موضوع بحث للفصل الموالي «بيروت بصدد الكتابة».
«بيروت بصدد الكتابة» هو مشروع بحث بصدد الإنجاز وهو يدرس الأماكن الهامّة تاريخيّا وشخصيّا في واقع المدينة ويكتشف من خلالها منافذ للوصول إلى أزمنة أخرى. بالبحث في تاريخ هذه المواقع نكون في بعض الأحيان قد استخرجنا قصصا وفي أحيان أخرى نكون قد اكتشفنا سبب محوها. «بيروت بصدد الكتابة» تولّد روابط بين التّاريخ والمكان ويبن كتابة بيروت في الزّمن وبعدها الأزليّ. هي في منزلة بين مفهوم الأثر الّذي يسجّل حقيقة المكان وبين الرّوايات الّتي تعيد اختلاقه. فالمشروع كما الرّقّ الأثريّ يتضمّن طبقات من الزّمن والوجود الّذين يتعايشين مع الحاضر.
lamia-joreige_7.-uw-ow-cu_web.jpg
«متحف» يكوّن الفصل الأوّل من هذا المشروع اهتمّ به مهرجان الشّارقة سنة 2013. ويتركّز هذا العمل على مناطق الجوار في بيروت وهو موقع معروف باسم «متحف» أين يقع المتحف الوطنيّ ببيروت في ما كان يعرف سابقا بالخطّ الأخضر الّذي يقسم شرق وغرب بيروت خلال الحروب اللّبنانيّة (1975-1991).
مشروع «بيروت بصدد الكتابة» مرتبط أساسا بالأفكار الّتي بلورتها في فيلم "الحياة الهانئة". في هذا العمل أردت أن أبرز بيروت وهي تدخل فترة جديدة من التّاريخ تتميّز بانتشار التّوتّر والخطر الّذين يعوّضان اللّحظات المتفرّقة من الخطر والدّمار الّتي جمعتها في عملي السّابق: «بيروت, تشريح مدينة» 2010.
ويصوّر فيلم «الحياة الهانئة» الّذي أنتجته سنة 2011 تجربة التّوتّرات الّتي هزّت المنطقة بأسرها والّتي تركت لبنان في حالة من شبه الرّكود. وهو يصف الوضع الرّاهن قي بيروت اليوم. وتتّسم قصّة الفيلم بالتّشظية وتجميع كلّ ما يمتّ إلى الحاضر بصلة.
lamia-joreige_4.the-river_web.jpg
أمّا بقيّة فصول «بيروت بصدد الكتابة» فهي تركيبات تنبني على مختلف المواقع الّتي صوّرتها في فيلم «الحياة الهانئة». وقد انجذبت إلى هذه المواقع نظرا لدلالاتها التّاريخيّة أو لمجرّد إعجاب بها أو بناء على رغبة الشّخصيّات الأساسيّة (الّتي جسّدها ممثّلون هواة). وتنبثق أحداث الفيلم من هذه المواقع. وتطبع شخصيّات المدينة بحضورهم والعكس بالعكس.
lamia-joreige_5.uw_.-photos-mosaic_web.jpg
يهتمّ عملي أساسا بالبحث عن إمكانيّات هذه المواقع من حيث علاقتها بالتّاريخ وبالحاضر وبالمدينة على نحو شامل وكذلك بالقصص المرويّة سواء كانت حقيقيّة أو خياليّة. ويتضمّن البحث المتعلّق بهذه المواقع وصفا مادّيّا ووظيفيّا لها وتوثيقا سمعيّا وبصريّا ومقابلات مع المتساكنين والاستماع إلى رواياتهم الخاصّة الّتي تتأرجح بين الرّوايات التّافهة وأمّهات الرّوايات.
ومن بين هذه المواقع:
«الجسر الواطي» وهي منطقة صناعيّة تمتدّ على تخوم المدينة وعلى ضفاف نهر بيروت الّذي غالبا ما يكون جافّا. وقد شهدت هذه المنطقة الّتي كانت سابقا تحتوي على عديد المصانع تحوّلات حيث عرفت ظهور فضاءات فنّيّة وتطوّرا عمرانيّا.
ألأوزاعي وهي منطقة في الضّاحية الجنوبيّة لبيروت والّتي اضحت منطقة عشوائية فقيرة مليئة بالبنايات غير القانونيّة على إثر التّهجير الضّخم للسّكّان خلال حروب لبنان.
طريق «الرنك» الّذي عرف الكثير من العنف خلال الحروب بما أنّه كان سابقا جزءا من الخطّ الأخضر الرّابط بين شرق بيروت وغربها. ويقع هذا الشّارع على حدود المدينة وشهدت إعادة بنائه جدلا لحق شركة Solidere الّتي قامت ببنائه.
محطّة شارل الحلو وهي بناية اسمنتيّة ضخمة بنيت قبل حرب 1975 تنطلق منها الحافلات وسيّارات التّاكسي إلى مناطق أخرى في لبنان وكذلك سوريا والأردن.
سيرة الفنان
ولدت لمياء جريج في لبنان، وهي فنّانة بصريّة ومخرجة أفلام تعيش وتعمل في بيروت. وتستخدم جريج في أعمالها الفنّيّة وثائق الأرشيف وعددا من العناصر الخياليّة لتصوير العلاقة بين القصص الفرديّة والتّاريخ الجماعيّ. كما تسعى هذه الفنّانة البصريّة إلى الكشف عن الطّرق الّتي يمكن من خلالها تمثّل الحروب الّتي مرّت بها لبنان والتّفكّر في تداعياتها، وذلك من خلال رسم صورة لبيروت تضعها في صلب تصوّراتها الفنّيّة. ويتمحور عملها الفنّيّ أساسا حول مفهوم الزّمن وطريقة تسجيل أثره وتدوين تأثيراته على الإنسان.
ومن بين أعمالها نذكر على سبيل المثال: «بيروت بصدد الكتابة - المتحف» (تنصيب باستعمال وسائط مختلطة) سنة 2013، و«ليلة واحدة للنّوم» (سلسلة صور مساحيّة) سنة 2013، و «بيروت، تشريح للمدينة» (تنصيب باستعمال وسائط مختلطة) سنة 2010، و«مدينة صور 1، 2، 3، 4، 5، صورة لتعاونيّة إسكان» (تنصيب فيديو) سنة 2010، و «3 لوحات ثلاثيّة الصّورة» (تنصيب تفاعليّ) سنة 2009، و «البدر» (شريط فيديو) سنة 2007، و«ليال وأيّام» (شريط فيديو وسلسلة مطبوعات) سنة 2007.
وكانت لمياء جريج قد قدّمت أعمالها في العديد من المعارض والمؤسّسات الفنّيّة الدّوليّة مثل بيينال الشّارقة، ومتحف موري للفنون، ومتحف تايت مودرن للفنّ المعاصر بلندن، والمتحف الجديد بنيويورك، ومتحف أوكسفورد للفنّ الحديث.
علاوة على ذلك فإنّ لمياء جريج عضو في مجلس إدارة مركز الفنّ ببيروت الّذي شاركت في تأسيسه، وهو فضاء مكرّس للفنّ المعاصر بلبنان. كما أنّها شاركت في إدارة هذا المركز منذ افتتاحه في جانفي من العام 2009 وحتّى مارس من العام 2014.