رسوم حائطيّة تزركش الجدران تنبثق من مباني القصبة المتداعية... مشاهد من البلاط الخزفيّ في مدينة الجزائر قد توقّف فيها الزّمن... صور فوتوغرافيّة من عهد قد ولّى مازالت منثورة للبيع على قارعة الطّريق... رسوم لشخصيّات تاريخيّة وقع تأليهها... بطاقات بريديّة تشيد بحسناوات مضطجعة أو بأماكن صارت أطلالا...لوحات فنّيّة من تيّار الاستشراق الجديد تعيد الحياة للجماد وصور لإماء من زمن الاستعمار...
لقد توقفت عقارب الساعة.
مجموعة كاملة من الصّور والأيقونات تفيض حنينا وشوقا وتحيل إلى جزائر أسطوريّة باهرة... حيث يتزاحم المبتذل مع الشّعبيّ..وحيث يهيّؤ للنّاظر أنّ الوقت قد توقّف وتمّ تعليقه بسبب تصادم غريب للأحداث... عقارب التّاريخ قد توقّفت... تخيّلات وسراب.
لقد توقفت عقارب الساعة.
سراب زادته الطّين بلّة ملصقات انتخابيّة تتشابك مع الجدران وتبرز رئيسا في شكل مومياء, متسمّرا في كرسيّه ويتدحرج على نفس السلسلة التاريخيّة الّتي تصادر الحاضر والمستقبل.
لقد توقفت عقارب الساعة.
الجزائر دفنت في الماضي وهي الان بطاقة بريديّة ضخمة. هي ملصقة معلّقة حيث البحر لا يفرز أمواجا...حيث النّاس لا تصافح بعضها... لقد حدنا عن الزّمن التّاريخيّ. نحن في زمن الكآبة..الجزائر مدينة جامدة وراكدة. هي معقل للماضي...
لقد توقفت عقارب الساعة.
لا يوجد ماض ولا حاضر..فقط زمن الأمجاد المتلاشية وخرافات المدينة الملفّقة. عندما أحدّق في هذه الرّسوم الجصّيّة وأتمثّلها لوحة أحداث حضريّة كان يتبادر إلى ذهني أمر واحد: الخضوع. أجل..عندما يتعطّل الوقت اعلم أنّك في زمن الخضوع...والانثناء كذلك.. لا بدّ من ولادة جديدة...لنحفظ قليلا من ماء الوجه...
لذلك فإنّ عقارب السّاعة لن تتوٌّقف أبدا..
سيرة الفنان
ولدت أمينة منيا في العام 1976 في الجزائر العاصمة حيث تعيش وتعمل حاليا. زاولت دراستها في المعهد العالي للفنون الجميلة في الجزائر العاصمة، وعرضت أعمالها لمدة سنوات على الصعيد الدولي. كانت قد تلقت مؤخرا دعم مؤسسة كمال الأزعر، وفي العام الماضي جلبت اهتمام «معرض الفن الأفريقي» المقام في سومرسات هاوس (Somerset House).
تقوم أمينة منيا بابتداع أعمال فنية تجمع بين النحت والتنصيب، ووتتساءل الفنانة في أعمالها هذه عن علاقتها بفن العمارة والفضاءات التاريخية، كما أنها ترفض المفاهيم التقليدية التي تحوم حول فضاء العرض. وعادة ما تدعو أعمالها النحتية في الفضاءات العامة إلى التفاعل مع المتفرجين من خلال أشكال تتحدى الفضاء والمجتمع. ويقوم عملها الفني أساسا على التاريخ ما بعد الاستعماريّ لمسقط رأسها الجزائر العاصمة، ويمثل دعوة لفهم وإعادة تقييم التراث وتفكيك مفاهيم الجمال فيه. وتتضمن عروض أمينة منيا ما يلي: متحف الفن الحديث في الجزائر العاصمة (عرض ماما)، المتحف الوطني بقرطاج في تونس، متحف الفن المعاصر (MUSAC) في ليون الإسبانية. وقامت الفنانة مؤخرا بعرض في متحف الفن المعاصر بمرسيليا في فرنسا، وفي الأكاديمية الملكية في دابلين في إيرلندا، وفي متحف التصميم الأفريقي في جوهانزبورغ في أفريقيا الجنوبية. وكانت أيضا قد شاركت في بينالي الشارقة الحادي عشر في الإمارات العربية المتحدة، كما شاركت في بينالي داكار لسنة 2014.