يستمد تقسيم الفن الى فن راق وفن متدنّ، فن نقدي المنحى وفن للتسلية والمتعة، جذوره من اتساع الهوة الطبقية وطغيان دور المؤسسات في الانتاج الثقافي وتحويله الى مجرد سلعة تباع وتشترى. وكنتيجة لذلك أصبح الفن يخضع أساسا للقطاع الخاص كما غدا صعب المنال، وأصبح العالم الفني يغتصب الحق في أنماط فنية ذات منحى فكري وسياسي وعاطفي.
في ألمانيا ما بعد الحرب ، زادت مدرسة فرانكفورت 1 في توسيع الهوة عن طريق اعتبار الحداثة "نقيضا نقديا للثقافة الشعبية". واعتبر مفكرو هذه المدرسة أن الثقافة الشعبية لا تعدو أن تكون سوى امتداد للنظام رأسمالي، الذي يسعى الى فرض سيطرة كاملة على الثقافة ، ودفع عامة الشعب الى حالة من السلبية المتواصلة تغيب فيها الملكة النقدية وذلك من خلال اختلاق احتياجات ورغبات مصطنعة. من ذلك أن بعض مفكري مدرسة فرانكفورت رفضوا الموسيقات المستحدثة في تلك الفترة، ولعل أبرزها موسيقى الجاز. وفي أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، صاغ المفكر الراحل مارك فيشر مصطلح 'الحداثة الشعبية' الذي أطلقه على الفن "الذي يصل بين التجريب والتيار السائد". ويرى فيشر أن هذه الأنماط الفنية المختلفة التي حدّدها وسّعت حدود المعنى والابتكار المتعلق بالشكل، من خلال استخدام آخر ما توصلت إليه التكنولوجيا، والهدف من ذلك هو ابتداع فن مبتكر. وقد سلط فيشر الضوء على تنامي التجريب الحداثي في قوالب الثقافة الشعبية ، وهو ما يتعارض مع ادعاءات مدرسة فرانكفورت بأن الثقافة الشعبية لسيت سوى أداة للقمع الاجتماعي.
في الغرب لم يناول البحث إلى غاية الآن مصطلح 'الحداثة' على نطاق واسع. أما في العالم العربي ، فعلى الرغم من تنامي استهلاك و إنتاج الثقافة الشعبية بصورة غير مسبوقة ، فإن هذا المفهوم الثقافة الشعبية لم يجد طريقه بعد سواء في الأوساطالعلمية أو المؤسساتية سواء باللغة العربية أو الإنقليزية أو الفرنسية. وتعمل موسيقى المهرجانات والراب والتراب على تطوير أنماط جديدة مبتكرة من الناحية التكنولوجية استحوذت على اهتمام جيل كامل من المستمعين. كما تم تطوير الأفلام والأنماط الجديدة من المضامين التي تعتمد على الصورة المتحركة، وخاصة المسلسلات التلفزيونية ؛ وأصبحت المانغا وأنيمي تحظى بجماهيرية واسعة ومتجددة ؛ في حين عرف فن الرقص إعادة النظر في الأنماط التقليدية وتطوير أنماط جديدة ؛ ويحتوي موقعا 'يوتوب' و'تكتاك' على وفرة لا تنضب من المضامين المبتكرة والجميلة. وأصبحت ألعاب الفيديو، وهي نمط فني مثير للجدل، تُقبل على مضض باعتبارها نمطا من الأنماط الفنية، وغدت تستقطب أعدادا كبيرة من المغرمين. وتقدم هذه الوسائط والأنماط الفنية أشكالًا جديدة من الفن لا تعير اهتماما للحنين للماضي أو لتكراره.
ويتطرق معرض 'تآلفات جديدة' ، الذي تحتضنه المحطة الفنية ب7ل9 ، الى هذا التمييز الزائف بين ما هو تجريبي وما هو نقدي وبين ما هو سائد وما هو شعبي، من خلال صياغة مفهوم للحداثة الشعبية في اللغة العربية، يتماهى مع سياقات العالم العربي. و يقدم المعرض، الذي تم تصميمه على شكل فضاء حميمي مستلهم من الترتيب الداخلي للبيوت، نماذج من الأعمال التي يمكن تصنيفها في خانة 'الحداثة الشعبية'، وهي أعمال متأتية من العالم العربي أو من خارجه وتحظى بشعبية في المنطقة العربية، وتتخذ أشكالا فنية مختلفة. ويسلط المعرض الضوء على الممارسات الفنية التي تجمع بين الطليعي والشعبي. ويطرح المعرض، من خلال استخدامه لقطع الأثاث المنزلي كمحامل للعرض تساؤلات حول فهمنا – وإقبالنا على – مختلف الوسائط الفنية وأنماط وطرق استهلاكها. والأعمال المعروضة متنوعة تجمع بين الأشرطة السينمائية والتسجيلات الموسيقية والشعر والأدب والرقص المعاصر والأنيميه وألعاب الفيديو والموضة. وسيقام في وسط المعرض مكتب 'معازف' ومكتبة ومحطة إذاعية تبث خلال فترة المعرض.
'معازف' مجلة إلكترونيّة متخصصة بالمقالات والدراسات والأبحاث والمراجعات التي تُعنى بالموسيقى العالميّة والموسيقى العربية المعاصرة والقديمة. منذ انطلاقها في عام 2012 ، سعت 'معازف' إلى تطوير خطاب نقدي مستقل باللغة العربية وإنتاج مضمون مدروس وجريء وحاسم، في شكل مقالات مطوّلة.
ريم شديد
'ريم شديد' قيّمة معارض مستقلة ونائبة مدير مؤسسة الشارقة للفنون، حيث تشرف على المعارض التي تنظمها هذه المؤسسة على مدار السنة والبرامج المفتوحة للعموم ، وعلى برامج العروض السينمائية والموسيقية والبرامج التعليمية والبرامج ذات المقاربة الإجتماعية. ومن بين مشاريعها في مجال تنظيم المعارض 'الديون' (2018) ، و'الأنماط النشطة (2018) ، و'لقاء مارس' (2015، 2017، 2018، 2019) ، 'فانتدج بوينت الشارقة' (2015، 2016، 2017، 2018، 2019) والمختارات: صيف 2017.
معاد المصباحي / جوش هارسكامب
معاد المصباحي وجوش هارسكامب مهندسان معماريان يقيمان بين تورنتو وطرابلس لبنان ولندن. اشتغلا على معارض كبرى على الصعيد الدولي وهي معارض تستند الى نظرة نقدية لدور الهندسة المعمارية في تحديد الممارسات الاجتماعية والثقافية. وقد شارك المصباحي و هارسكامب مؤخرًا في بينالي الشارقة للهندسة المعمارية، 2019 وبينالي شيكاغو للهندسة المعمارية ، 2019.
VIDEO
VIDEO